الثقافة العربيةجلد للذات أم تحولات

كتبت:هيام سلوم           

يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس :” إذا أردت سماع أصوات الطيور لا تشتري أقفاصاً بل أغرس الأشجار.لا يهم كم تسير ببطئ ما دمت لا تتوقف.أذا كنت تخطط لعام واحد فازرع الأرز وإذا كنت تخطط لعشرة أعوام فازرع الشجر، أما إذا كنت تخطط لمئة عام فقم بتعليم الأطفال.مهما كنت تعتقد أنك مشغول، لا بد أن تجد وقتاً للقراءه وإلا سلمت نفسك للجهل بمحض أرادتك” .إن غياب منظومة الأخلاق والقيم بما شاع من الانحطاط والتفاهة وغيرها من مصطلحات تغزو المشهد الثقافي العربي المصطبغ بألوان الدم والقتل والذل كما كان العرب قبل قرن من الآن وما قبلها حيث وصف بأنهم أمة الجهل والفقر والمرض وها نحن نعود لبيت الشبكة العنكبوتيه الأوهن . فغدا الكثير مما يسمى بالمثقف السطحي الاستعراضي ومثقف العناوين لا مثقف المضامين غارق في ثقافة التجميع بعيد كل البعد عن ثقافة الينابيع. أفكارهم اجترار لمقابلات وتراكمات في حافظتهم عبر الزمن دون أن يقدموا خلالها فكرة أو مشروعاً إبداعياً لخير الصالح العام. حتى غدت اللقاءات  متكررة سقطت بالتشابه يأخذون بالشكل دون المضمون حوارات غير فعالة لا مجدية. لم تسلم من ذلك التدهور الإصدارات والكتب التي تنشر في الوطن العربي حيث فقدت رونقها الذي اشتهرت به طوال قرن من الزمان . صار مجملهاإصدارات بطباعة فاخرة وأغلفة تتصدرها صور الفنانات أو البطولات الرياضية وأسعار صرف العملات أوالمجازر والحروب ودماء الأطفال وأسوار السجون وما إلى ذلك من تعبئة تهدف لصرف الأنظار عن جوهر الأخطار التي تحيق بالأمة.حتى المراكز الثقافية المنتشرة في كل بلدة ومدينة بدت كأنها قصور قياصرة، لامعة تسر الناظر لكنها خاوية باردة، لا حياة فيها إلا  لأدعياء الأدب والثقافة المبتلية فيهم أمتنا وهم سبب من أكبر أسباب الانحطاط الممنهج . الأدباء والمفكرون المثقفون مهمشون مغيبون مشلولون فيما الكِتاب أصبح مهجوراً منسياً متروكاً في مكتبات الكبار، كتحفة عفى عليها الدهر ليستقر عنوان أرشيفي وجزءاً من الديكور.من يطلع على بعض التقارير الإحصائية بشأن الكتب وساعات القراءة للفرد في الوطن العربي، لا بد أن يصاب بالدوار وبالصرع، لأنه سيجد الأمية سائدة متغلغلة في الوطن العربي برغم تبجحات العناوين الطنانة ، إذ ما يزال الإنسان العربي في جدول القرّاء هو الأخير على مستوى العالم،برغم ذلك ما زال العربي يشعر بأنه متفوق على كل الشعوب لانه يتكئ على الماضي والنصوص المقدسة من آلاف السنين . حتى ظهر خاوياً أجوفَاً في ظل العولمة والإنترنت، حيث يقضي ساعات طوال من يومه بل عمره المملوء بالمخاطر والنقص يهرب فيها إلى لهو الانترنيت وسخافته لا يعرف أن يستغله وسيلة معرفة بل يستطلع حد الاستغراق بسجل “التعليقات” والإعجابات ويعددها.من المؤسف أن المثقف العربي الحقيقي لم يكن له دور ولا رأي ولا حضور خلال حقب تاريخية ماضية فيما اشتهر منهم تجار الثقافة والأدب أو المتاجرين السياسين بعنوان الثقافة ممن وظفتهم الأنظمة بمختلف ملفاتها إلا قلة نادرة منهم فلتت من ربقة ذلك الظلام لتبزغ بإبداعها برغم ما تعرضوا له . فيما تعيد الذاكرة التاريخية حال الشعراء والصعاليك ودورهم المزعوم في قبائلهم وما تعرضوا له من هدر دم بسبب مخالفتهم أنظمة قبلياتهم  القائمة ؟!ماذا فعل الخليفة العباسي “المقتدر” بالحلاج حين أظهر عقائده الصوفية؟ اتهم بالكفر وتم إعدامه وقطع أطرافه وتعلّيق رأسه على جسر بغداد وأحراق جسده . لأنه كان من المتنورين والمعارضين للسياسات المتبعة استراتيجيا ضد الأمة في نتيجة حتمية ونهاية مأساوية لكل أصحاب الوعي العربي ممن يخالفون إرادة السلطان مهما كانت خاوية ؟!هل كان لأبي النواس رأيٌ أو احترام عند هارون الرشيد ، هل كان أكثر من مجرد مُسَلٍّ له في أوقات فراغه؟! أما اتهموه بالخلاعة والمجون حين لجأ إلى الخمرة واتخذ السكر حجاباً لآرائه ووقاءً لنفسه؟!ماذا فعلوا بأدونيس “الشاعر السوري العالمي” عندما طرح أفكاراً حداثوية وآراءً جريئة في الدين والفكر والأدب والسياسة؟! أما اقتصوا منه واتهموه بوطنيته وأخلاقه، وفصلوه من اتحاد الكتاب العرب.للأسف هذا حال المثقفين العرب الحقيقين في كل الأزمنة والمراحل التاريخية…؟!أما المثقفون التابعون للأنظمة؟! هم من يديرون المؤسسات الثقافية والإعلامية،  هم أصحاب الشهرة والرأي والحضور والأوسمة  لأنهم المسوقون والوكلاء الحصريون لسياسات الأنظمة وأفكارها ولعل المتنبي رغم سمو مقامه في عالم الشعر والفكر، إلا أنه يمثل الموظف النموذج لنظام الحاكم  ظهر من خلال علاقته بسيف الدولة، حيث كان وقته كله للحاكم والتحدث عن عظمته وبطولاته .المثقف الحقيقي حين يستدعى ويوضع في موقع لا بد له أن يقول فيه، فإنه لن يستطيع أن يقول ؟ يستعير ما قاله الأحنف بن قيس: عندما طلب منه معاوية القول في يزيد يوم البيعة وراح الخطباء يتسابقون نحو المنبر لمدحه: “أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت ” فكانت كناية أبلغ من التصريح، لكنها تعكس خوفاً حقيقياً، وتعبر عن حال المثقف الحقيقي .؟وأوصلنا إلى ما نحن فيه من انحطاط فكري وأخلاقي شاهد على غياب دوره رغم الحريات والانفتاح والتطور . ففقدت الملاءة الفكرية الثقافية احترامها وقيمتها في حياتنا وتحول الناس إلى أعواد من القصب قشورها جميلة وداخلها فارغ.

الغردقه - شارع الشيراتون القديم بجوار فندق روما علي البحر - تليفون  0653447115  موبايل  - 01020238453

عن 1

شاهد أيضاً

إمرأة على سفح حلم

بقلم / مريم الشكيلية/ سلطنة عمان أشعر إنك كالأمس لن تعود مرة أخرى…… وأشعر إنك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *