أخبار عاجلة

أحمد عز الرجل الذي سرق اللقطة دون أن يطلب كرسي البطولة

بقلم: هبه شتيوي

في مسرح السياسة المصرية، حيث الضوء يلهث وراء الأبطال المزيفين، والهتافات تُكتب قبل أن تُسمع، يقف رجلٌ لا يبحث عن الميكروفون. أحمد عز مختار درويش – محامٍ لا يرافع فقط في قاعات المحاكم، بل في أروقة التاريخ. ناشطٌ لا يحمل شعارات، بل يحمل عدسةً ترى ما يغفله المخرجون. كان هناك، في كل لحظة صنعت مصر الحديثة، لكنه لم يطلب أبدًا أن تُسلط عليه الأضواء. لماذا؟ لأنه كان يعرف أن الضوء الحقيقي لا يُمنح، بل يُسرق بلقطة ذكية.

من ميدان التحرير، حيث كانت الهتافات تتصادم كالأمواج، إلى كواليس حملات الرئاسة، حيث تُنسج القرارات في صمت، كان عز حاضرًا كشاهدٍ لا يُدعى إلى المنصة. لكنه لم يكن مجرد شاهد. كان عينًا تسجل، ويدًا ترتب الكادرات. عبارته البسيطة: “كنت أول من احتفل بعيد 25 يناير في 2012… وسط من رأوه عيد شر!” ليست مجرد ذكرى، بل قنبلة إدراكية تُفجر سؤالًا في ذهن القارئ: كيف يمكن لشخص أن يكون في قلب الحدث، ومع ذلك يظل خارج إطار الصورة؟

عز ليس لغزًا لأنه غامض، بل لأنه واضح بشكلٍ يربك. لم يكن بطل المشهد، ولم يكن ضحيته. لم يكن ثائرًا يحمل راية، ولا موظفًا ينتظر ترقية. كان شيئًا آخر – ربما كاتب سيناريو لم يُكتب اسمه في التترات. في الإسكندرية، حيث كان يوثّق المناظرات السياسية، أو يعلّق على الأحداث في برامج صباحية، لم يكن يصرخ ليُسمع. كان يتحدث كمن يعرف أن الكلمة الحقيقية لا تحتاج إلى مكبر صوت.

الأحزاب؟ أوه، الأحزاب. تلك التي تتباهى بـ”شبابيتها” كما تتباهى عارضة أزياء بفستانٍ مستعار. حاولت استقطاب عز، ليس لأنه “ثوري” أو “مثالي”، بل لأنه كان يملك شيئًا لا تملكه: توقيتًا مثاليًا، وزاوية لقطة لا تُخطئ. لكنه رفض أن يكون ديكورًا في مسرحياتهم المملة، تلك التي تبدأ باجتماعات طويلة وتنتهي ببيانات لا يقرأها حتى من كتبها.

في أكاديمية ناصر، لم يكن عز مجرد مدني يجلس في قاعة دراسية. كان سؤالًا حيًا في فضاء عسكري. أن يكون أول مدني يدرس “إدارة الأزمات” في كلية الحرب العليا ليس مجرد إنجاز، بل رمزٌ لاختراق الثنائية بين المدني والمؤسسي. كان يجلس هناك، يستمع، يحلل، يضيف إلى أرشيفه مشهدًا آخر: كيف تُفكر الدولة حين لا تتكلم، وكيف تُخطط حين تتظاهر بالعشوائية.

“أنا محامٍ… لكني أرافع أحيانًا عن التاريخ”، هكذا قال عز في أحد اللقاءات، وكان يُشير إلى دوره في توثيق المشهد السياسي بالإسكندرية، من أول مناظرة بين شفيق ومرسي، إلى تعليقه المتزن في قنوات ظلّت تنزف صراخًا. لم يكن يبحث عن مجدٍ شخصي، بل كان ينسج خيوطًا ذكية تكشف أنه لم يكن عابرًا في الزمن. كان ذاكرة تمشي على قدمين، تبتسم حين يظن الآخرون أن كل شيء انتهى.

من كونه أحد مؤسسي شباب “مستقبل وطن” بالإسكندرية، إلى دوره كمتحدث إعلامي في غرفة العمليات المركزية لحملة الرئيس، تنقّل عز كمن يحمل رماد المعارك على أكمامه. لم ينتمِ إلا لما يراه يستحق الانتماء – لا لما يُمنح في اجتماعات الأحزاب التي تُنتج بيانات بلا روح.

في النهاية، أحمد عز درويش ليس مجرد اسم في سجل السياسة المصرية. هو عدسةٌ سجّلت ما لم يُرد المخرجون إظهاره، وذاكرةٌ لم تُكتب على ورق. الأحزاب؟ ربما ستظل تبحث عن “تواقيع” جديدة، أو تلهث وراء “تواقيت” ضائعة. أما عز؟ فهو من سرق اللقطة، ليس لأنه أراد البطولة، بل لأنه عرف متى يصمت… ومتى تشتعل الكاميرا.

ولمن لا يفهمون سرّ هذه اللقطة؟ ربما لم يكونوا يستحقون مشاهدة الفيلم من الأساس.

الغردقه - شارع الشيراتون القديم بجوار فندق روما علي البحر - تليفون  0653447115  موبايل  - 01020238453

عن 1

شاهد أيضاً

محمود الشحات… من الشرقية إلى عالم السينما والإنتاج

ولد محمود الشحات في السابع من مايو عام 1992 بمحافظة الشرقية، حيث نشأ بين طموحات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *