تحقيق صحفي – إعداد: [رضا السعيد ]
في محافظة كفر الشيخ، التي طالما كانت منبعًا للكفاءات العلمية، تتفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية لتتحول إلى “مافيا” منظمة تلتهم جيوب الأسر وتهمّش دور المدرسة. وبينما تسعى الدولة لإصلاح المنظومة التعليمية، تظل هذه الظاهرة إحدى أبرز العقبات التي تعيق الوصول إلى تعليم عادل ومجاني.
فاتورة التعليم من خارج المدرسة
أصبحت مراكز الدروس الخصوصية جزءًا من المشهد اليومي في مدن وقرى كفر الشيخ، حيث يتكدس الطلاب في جراجات وأماكن غير مؤهلة، وسط غياب الرقابة. الآباء يدفعون مبالغ باهظة شهريًا لتأمين مستقبل أبنائهم في ظل تعليم رسمي يفتقر إلى الكفاءة والدعم.
يقول السيد إبراهيم عبد الله، ولي أمر من مدينة بيلا:
“أصبحنا نُعامل كأننا مشتركين في خدمة إجبارية كل شهر. بندفع ما لا يقل عن 2500 جنيه شهريًا لبنتي في المواد الأساسية، وإذا غابت عن درس بيكلّمونا يلومونا كأننا مقصرين.”
ويضيف: “المدرس في المدرسة هو نفسه اللي بيشرح في السنتر، ولو الدولة مش هتحط بديل محترم، هيفضل الأهالي يدفعوا غصب عنهم.”
طلاب تحت الضغط
أما الطالبة سلمى مصطفى من مدينة الحامول، فتعكس وجهًا آخر من المعاناة:
“إحنا بنروح المدرسة علشان الغياب بس، الشرح كله في السنتر. ولو مشينا على المدرسة بس، مش هنجاوب في الامتحانات. اللي مش بيقدر يدفع بيتعامل كأنه أقل من غيره، ومفيش اهتمام داخل المدرسة.”
جهود رسمية محدودة أمام واقع صعب
من جانبه، صرّح اللواء الدكتور علاء عبد المعطي، محافظ كفر الشيخ، أن الأجهزة التنفيذية تواصل شن حملات مكثفة على المراكز غير المرخصة، وتم بالفعل غلق العديد منها خلال الشهور الماضية.
لكن بحسب شهادات ميدانية، فإن السناتر تعاود النشاط تحت غطاء سري، ما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية الرقابة واستمراريتها.
المشكلة أعمق من الغلق
يرى خبراء التربية أن الحل لا يكمن في الغلق فقط، بل في إصلاح شامل يبدأ من المناهج، وتدريب الكوادر، وتطوير البنية التحتية للمدارس، وتفعيل مجموعات التقوية بإشراف حقيقي.
يقول الدكتور حاتم عبد الرازق، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة كفر الشيخ:
“الدروس الخصوصية ليست استجابة فقط لضعف المدارس، بل نتيجة لفقدان الثقة في التعليم الرسمي كوسيلة للنجاح الحقيقي.”
الطريق إلى الحل
تطوير شامل للمناهج وأساليب التدريس.
زيادة أجور المعلمين مقابل التزامهم بعدم إعطاء دروس خارج المدرسة.
تفعيل مجموعات التقوية داخل المدارس بشكل مجاني أو رمزي.
إنشاء منصات تعليمية محلية بديلة بإشراف المديرية التعليمية.
حملات توعية مجتمعية لرد الاعتبار لدور المدرسة.
خاتمة
بين مطرقة ضعف التعليم الرسمي وسندان مافيا الدروس الخصوصية، يظل طالب كفر الشيخ ضحية نظام يحتاج إلى إصلاح جذري. ويبقى الأمل في أن يتحول شعار “التعليم حق للجميع” من مجرد كلمات إلى واقع ملموس، يضمن العدالة والكرامة للطلاب وأسرهم.