د. وليد ناصر الماس
أجد نفسي اليوم مشدودا للكتابة عن جامعة عدن وبصورة موضوعية، والإشارة الخاطفة لبعض مظاهر التميز في تلك الجامعة العريقة، التي بقيت شامخة وصامدة برغم مختلف الصعاب والعقبات التي واجهتها ووضعت في طريقها خلال مسيرتها العلمية الحافلة بالعطاء، إذ لم تكن هناك من مصلحة تحتم عليَّ مثل هذا التناول، سوى أنها الجامعة التي نهلت من منهلها، وتخرج عبر بوابتها الآلاف من الكوادر المؤهلة في شتئ العلوم الإنسانية والتطبيقية.بنظرة سريعة لواقع بلدنا المأساوي خلال ما مضئ من سنوات الحرب، التي ألقت بظلالها المدمرة على مجمل جوانب الحياة المعيشية والخدمية للمواطن في الجنوب، لم يكن التعليم العالي بمنأى عن ذلك الواقع المزري، إذ فقد ناله النصيب الأوفر منه، من حيث تراجع التمويل المالي المركزي، ونقص الموارد المحلية المتاحة، وتضررها بفعل تداعيات الحرب.وبإمعان النظر لحال جامعة عدن كنموذج للتعليم العالي في بلدنا هذا، نلمس إنجازات ونجاحات تحققت للجامعة على أرض الواقع على أكثر من صعيد، برغم الظروف القاهرة والاستثنائية التي عصفت بالجامعة وكادت توقف عجلة قطارها، كان ذلك بفعل وجود قيادة مقتدرة، كرست جل همها في النهوض بالجامعة رأسيا وأفقيا، غير مقتصرة علئ ما تحقق للجامعة وحسب، فقد ذهبت لتوظيف الإمكانات المحلية المتاحة علئ محدوديتها، للارتقاء بمستوى التعليم والخدمات المقدمة بأكبر قدر، حيث أُفتتحت خلال السنوات الأخيرة كليات جديدة مثل: (كلية العلوم، وكلية التربية البدنية، وكلية الحاسب الآلي، وكلية التمريض، وكلية المختبرات، وكليةالإعلام)، فضلا عن التوسع في إنشاء أقسام جديدة خلال هذه الفترة في الكثير من كليات الجامعة، كما اُستحدثت برامج نوعية للدراسات العليا في عدد من كليات الجامعة من ضمنها كليات علمية وتطبيقية، وهو مؤشر جيد علئ علو سقف طموح الجامعة.وعلى صعيد الإنجازات التي تحسب لجامعة عدن برئاسة البروفيسور الخضر ناصر لصور رئيس الجامعة، إضافة السنة التحضيرية في معظم كليات الطب والعلوم الصحية، إذ لم تأت هذه الفكرة العلمية من فراغ، بل فرضتها مبررات منطقية عدة، أبرزها: تدني جودة مخرجات الثانوية العامة في مدارس بلادنا، حيث يتخرج عدد كبير من طلاب التعليم الثانوي بمعدلات مرتفعة للغاية، فيتقدم جزء كبير من هؤلاء للالتحاق في كليات الطب بعد تجاوزهم لامتحان القبول، مما يعيق ذلك حصول بعض الطلاب المتميزين منهم على فرص الالتحاق بالتخصصات النوعية، الأمر الآخر يتمخض عن الإقبال الكثيف علئ كليات الطب والعلوم الصحية في حدوث موجة رسوب واسعة في أوساط الدارسين، خلال سنوات الدراسة، مما يزيد من الهدر في إمكانات وقدرات الجامعة مادية وبشرية، فضلا عن تضييع الطلاب لعدد من السنوات في هذه الكليات، لذلك جاءت السنة التحضيرية لفلترة عملية الالتحاق في هذه الكليات، وقبول العدد المناسب من الطلاب المتميزين القادرين على مواصلة التعليم في هذه الكليات، للوصول بمخرجاتها لمستويات متقدمة، ويُعزئ الفضل في ذلك بعد توفيق الله تعالى لقيادة الجامعة، التي بادرت بتوظيف مختلف جهود وطاقات منتسبي الجامعة، وما توافر من إمكانات وتوجيهها في الاتجاه الصحيح، للرفع من مستوى الأداء الإداري والأكاديمي الجامعي، من خلال الحرص بأكبر قدر علئ اختيار القيادات الأكثر كفاءة وإنتاجية لقيادة العمل الإداري والأكاديمي، ذلك علاوة عما تحقق في مجال التوسع بإنشاء المباني الجديدة وصيانة بعضها، وتوفير متطلبات العمل الجامعي (إداري وإكاديمي)، تحقق ذلك بخلاف كل التوقعات، سيما مع تردي الوضع المعيشي الصعب للعنصر العامل في الجامعة، وقلة المخصصات المرصودة للكثير من الأنشطة، وتجميد بعضها، ما يفسر ارتباطا عضويا للكادر العامل بجامعته، وحرصه المستمر على نجاحها، ويشير في الوقت عينه لحنكة قيادة الجامعة (جامعة عدن) وقدرتها علئ الدفع بمختلف مقدرات الجامعة بشرية ومادية نحو إنجاز الأهداف والخطط المرسومة.