بقلم : سيد عمر معلم عبد الله
دبلوماسي ومؤرخ صومالي
شهدت العلاقة السياسية بين الصومال ومصر منذ بداية عام 2024 ، زخما سياسيا مطردا وتفاعلا متناميا متسع الأطر والمجالات، وشملت تلك الأطر جوانب عديدة أبرزها المحور السياسي والاقتصادي والعسكري، ويشكل الجانب الاقتصادي والعسكري دعائم مساندة على الجانب السياسي الذي هو الأساسي أو المحوري في العلاقة التاريخية بين البلدين. ووفق تصريح الرئيس السيسي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الصومالي الرئيس د. حسن شيخ في قصر الاتحادية بالقاهرة يوم 23 من يناير المنتهية ، فان اللقاء الأخير الذي جمع بينهما هو الرابع من نوعه خلال عام واحد فقط وذلك إلى جانب لقاءات رسمية على مستوى وزراء الخارجية تناهز 10 زيارات واجتماعات رسمية متبادلة ناهيك عن الاتصالات الثنائية واللقاءات الهامشية في الاجتماعات الإقليمية والدولية سواء الدورية منها والطارئة المنعقدة في المنصات المختلفة. وبموجب الإعلان الموقع بين الدولتين، فان رئيسي البلدين وقعا إعلانا سياسيا مشتركا تم بموجبه الاتفاق على ترفيع علاقاتهما السياسية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما ووضع آليات تشاورية سنوية على مستوى الرؤساء واجتماعات وزارية نصف سنوية على مستوى وزراء الخارجية. ويحدد الإعلان مجالات التعاون الثنائي بين الدولتين فيما بينهما ويحصر القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية المشتركة في المرحلة المقبلة بالإضافة إلى تكوين لجنة مشتركة تعمل على متابعة تنفيذ نتائج المشاورات وترفع توصياتها باستمرار إلى دوائر صنع القرار، مما يعني اتفاق الدولتين بتطوير علاقة بلديهما من المرحلة التقليدية الى المرحلة الاستراتيجية الأكثر شمولا وعمقا، وتدشين مرحلة مختلفة تماما من المستويات السابقة وذلك منذ بداية العلاقة الدبلوماسية منذ 8 يوليو .1960م
وينبغي الإشارة إلى أن العلاقة بين الدولتين اتسمت بالمتانة وتميزت في فتراتها التاريخية المتعاقبة باستمرارية دائمة وتعددية في الروافد كما أنها اشتهرت بتطابق وجهات النظر وتنسيق المواقف السياسية في المحافل الدولية حول القضايا المشتركة، ولم تصادف طوال تاريخها المعروف بالانقطاع، وسلمت من الجفاء الذي شهدته علاقة مصر مع معظم أشقائها العرب في العهود المختلفة. ويضع الإعلان حجر الأساس لشراكة عميقة ومستدامة بين الدولتين ويؤمن مشاركة مصر في بعثة الاتحاد الأفريقي
الجديدة المعروف بـ AUSSOM ويقوي تنسيق مواقفهما الهادفة إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة وتنفيذ بنود إعلان أسمرا المعتمدة بين مصر والصومال وإريتريا في أكتوبر الماضي، ويجسد كذلك خطوة مكملة على التفاهمات السابقة القائمة بينهما والتي أهمها بروتوكول التعاون العسكري الموقعة بين البلدين في شهر أغسطس من العام الماضي والاتفاقية الدفاعية المشتركة الموقعة في يناير 2024م. ويعكس هذ التطور اللافت وجود رغبة سياسية مشتركة بين الدولتين في التعاون الثنائي في مجالات ذات صلة بأمنهما القومي ومرتبطة بضرورة تنمية اقتصادهما على المدى المنظور وتستهدف بالأساس تعزيز الراوابط الاستراتيجية بين الدولتين وصون المكتسبات السياسية المحققة للدولتين والخفاظ على الوضعية الجيوسياسية القائمة في المنطقة وذلك في إطار ما يخدم مصالح البلدين وفق تعبير الرئيس د. حسن شيخ.
المضمون
يتضمن الإعلان اتفاق الدولتين على إجراء مشاورات رئاسية سنوية وأخرى نصف سنوية على مستوى وزيري الخارجية لتنفيذ التوجيهات الصادرة من تلك المشاورات الرئاسية والعمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين في شتى المجالات. والإعلان يدعو الوزرات المعنية في الحكومتين إلى تعزيز التعاون في المجالات التي تقع في نطاق اختصاصهم وتشكيل لجنة تقوم على متابعة تنفيذ نتائج المشاورات السياسية ورفع التوصيات اللازمة إلى داوائر صنع القرار السياسي وتأتي من كبار الشخصيات من الوزارتين ويحدد كذلك جوانب التعاون الاقتصادي بينهما في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية، الصيد والاستزراع السمكي، البناء والتشييد، النقل والمواصلات الخدمات المالية والمصرفية النفط والغاز والطاقة الجديدة والمتجددة . وأسست الدولتان إعلان مبادئهما الموضحة في الإعلان على الصداقة والأخوة التاريحية وإدراكهما المشترك في وحدة المصير والتهديدات وتلاقي المصالح المشتركة فيما بينهما بالإضافة إلى طبيعة التهديدات المحيطة بالأمن والسلم في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر التي تقع ضمن إمتددات أمنهما القومي المترابط .
ويعطي الإعلان أولوية التعاون بين الدولتين في المجالات الخمسة التالية :
1. المجال العسكري والأمني وذلك بهدف تمكين الصومال من محاربة الإرهاب عن طريق التسليح والتدريب المتخصص وبسط سيطرة الدولة على كامل أراضيها وتعزيز قدرات أجهزة إنفاذ القانون وتبادل المعلومات بين الأجهزة المعنية بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات وإمكانيات مصر في هذ المجال بشكل عام.
2. التعليم والثقافة وذلك بهدف رفع القدرات التعليمية في الصومال وذلك من خلال تقديم المنح الدراسية في الجامعات الحكومية وفي جامعة الأزهر وتوفير التدريب المتخصص في مجالات العمل الدبلوماسي والبرلماني والثقافة والطب والصحة.
3 القضاء وذلك من أجل إعادة تأهيل المنظومة القضائية والنيابية بالبلاد وتقديم الدعم القانوني والفني للكادر الصومالي المكلف بتنفيذ هذه المسؤوليات وذلك لاستكمال صياغة مشروع دستور جديد للبلاد وكذلك القوانين المكملة للدستور
4. الاقتصاد وذلك من خلال تعزيز العلاقة التجارية والاستثمارية ورفع حجم التبادل التجاري وتشجيع الاستثمارات في المجالات ذات الأولوية المشتركة للقطاعين العام والخاص، وتعمل الحكومتان على تذليل العقبات التي تحول دون تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين وابرام اتفاقيات ثنائية متعددة تستهدف بالأساس زيادة معدلات التجارة والاستثمار المباشر وعقد منتديات رجال الأعمال وتبادل الزيارات والمشاركة في المعارض والفعاليات التجارية التي يستضيفها البلدان.
5 الانتخابات وذلك بهدف الدعم القانوني والفني والإجرائي اللازم وتمكين إجراء الانتخابات وفقا لرؤية وطنية جامعة
الأهداف
(1) المساهمة في تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة
(2) تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة للبلدين الشقيقين
(3) صيانة مقدرات وسيادة ووحدة سلامة أراضيهما
الدوافع
لكل من الصومال ومصر دوافعه المختلفة في الاهتمام بالشراكة وتنمية العلاقة السياسية لبلديهما، ويمكن وصف معظم تلك الدوافع بأنها واقعية، وتشترك الدولتان في الرغبة في التعاون عبر آليات أكثر فعالية والعمل معا في درء التهديدات الموحدة ومواجهة التحديات المصيرية التي تواجه مستقبلهما السياسي في منطقتيهما. ويمكن القول بأن الزيارات المكثفة للمسؤولين في البلدين وإعفاء تأشيرات الدخول من حملة الجوازات الدبلوماسية للبلدين وانعقاد منتدى رجال الأعمال مؤخرا وكذلك تدشين خط طيران منتظم يربط بين العاصمتين باستمرار وزيادة حجم التبادل التجاري بنسبة 130.7 في العام الماضي فقط هو مؤشر كافي على النمو المطرد في العلاقة بين الدولتين والصومال تمر الآن في مرحلة تملك هي قرارها السيادي وقواعد اللعبة السياسية فيها مؤطرة عبر الحدود التي يرسمها الدستور وتجاوزت نهائيا المرحلة الماضية التي كان العالم يتعامل معها من منظور أمني محدود الأفق في بعده السياسي وكان قرارها السياسي مصادراً أو مستورداً من الخارج وعنوان صلتها بالعالم الخارجي تمحور حول تقديم الدعم الإنساني وجهود استعادة الدولة ودخلت إلى مرحلة مختلفة تريد أن تكون عنوان العلاقة مع عالمها الخارجي هو الشراكة الثنائية مع الدول والمتعددة الأوجه مع المنظمات سواء في مجال الحفاظ على وحدتها الوطنية أو التركيز على التنمية الاقتصادية أو الاستفادة المشتركة من كثير من الموارد المتوفرة لديها، ويشجعها في ذلك التقدم الذي حققته مؤخرا في مجالات مكافحة الإرهاب واستتاب الأمن وإعفاء الديون والتعديلات الدستورية ورفع حظر السلاح المفروض على البلاد منذ عقود والاتفاقيات الموقعة في مجال الطاقة والدفاعية الموقعة بينها وبين دول من بينها تركيا ووضع أفق سياسي في معالم المرحلة السياسية المقبلة وذلك بعد موافقة البرلمان على اللجنة الانتخابية التي باشرت عملها المنوط بها مؤخرا، وهي بالطبع مدركة على أن المرحلة الجديدة التي دخلتها الآن سوف تحتاج إلى أكثر من حليف دولي وشريك إقليمي موثوق يعمل معها في أكثر من مجال وإتجاه ويساعدها على تنمية قدرة الأداء في موسساتها الوطنية واستعادة عافيتها المتباطئة بعض الشيء والحفاظ على وحدتها السياسية وتحقيق تطلعات شعبها المعروفة . ويقابل ذلك رغبة مصرية متنامية في تحقيق أعلى قدر من الترابط مع دول القرن الإفريقي والحضور الأكثر فاعلية في المنطقة وإعادة تفعيل دورها التاريخي المتراجع بعض الشيء في القارة بشكل عام بعد معاهدة كامب ديفيد والعمل باهتمام على تأمين مصادر أمنها القومي وسد الثغرات في جدار أمنها القومي وذلك عن طريق ترميم علاقاتها السياسية مع دول منطقة القرن الإفريقي المشاطئة على البحر الأحمر وحوض النيل ومنطقة البحيرات بشكل عام. ويتوفر في مصر المعرفة المتراكمة للمنطقة والخبرة الكبيرة في مجالات العمل المشترك المفصل في الإعلان، وكان ينقصها بعض الشيء الإرادة السياسية الكافية في إعطاء المنطقة اهتماما معززا لدورها التاريخي في المنطقة، وبالإضافة إلى ذلك تعرف مصر جيدا أهمية الصومال الموحد في تعزيز أمنها القومي، وتؤكد هي من جانبها فهمها لطبيعة الارتباط الوثيق بين أمن مصر وأمن الصومال نتيجة موقعها الجيوسياسي المطل على خليج عدن وبينها وبين الصومال تجارب تعاونية ناجحة مثمرة في المواقف الحربية الحرجة في تاريخهما المعاصر. ومصر مهتمة أكثر من غيرها بأمن مياه البحر الأحمر وتبحث عن حلول سياسية مستدامة للاضطرابات الناتجة من هجمات الحوثي منذ نهاية 2023 ورغبة إثيوبيا العمياء في الانضمام إلى الدول المشاطئة لها عن طريق الصومال أوإريتريا وحرب غزة الأخيرة ، وأثرت تلك الاضطرابات سلبا على الملاحة والتجارة الدولية في دول البحر الأحمر، وبموجبها تراجعت إيرادات قناتها السويس إلى 60 % وخسرت خزانة مصر ما يقدر بـ 7 مليار دولار عام 2024 وهي ترفض بشدة البدائل المطروحة في الدوائر الدولية والإقليمية عن قناة السويس بما في ذلك الممر الاقتصادي المطروح الذي يمر عبر دولة الإمارات والسعودية ثم الأردن وصولا إلى أوربا عن طريق إسرائيل، ومن ثم تعتبر أن الصومال الموحد سوف يكون شريكا لاغنى عنه في تحقيق هذه الرؤية وخصوصا بعد تنامي ثقله السياسي في المعادلة الإقليمية وانضمامه الجديد إلى مجتمع شرق إفريقيا الذي منحها عمقا إفريقيا أكثر صلابة وتوازنا في انتمائها العربي والإفريقي المزدوج .
والصومال ومصر تجمعها العضوية في مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذي تم تأسيسه عام 2020م في السعودية، وتشتركان في فكرة أن تكون مسألة البحر الأحمر مرهونة بإرادة الدول المشاطئة له وتلتقي مواقفهما الرافضة بتحقيق الخطة الإثيوبية الهادفة إلى تغيير الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة البحرية للإقليم والانضمام إلى الدول المشاطئة للبحر الأحمر وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تغيير الخرائط الجيوسياسية في دول المنطقة، وتقوم تلك الفكرة غير الواقعية بربط مياه النيل التي تملكها بمياه البحر الأحمر التي تحتاج إليها بنهم وأن تتخذ موطئ قدم يضمن لها الحفاظ على مصالحها الحيوية المختلفة وتقدم نفسها كشريك قادر على القيام بأدوار مساهمة على الأمن والاستقرار في المنطقة وفق منطقها السياسي، وسابقا ، صرح رئيس وزرائها … بأن أمن البحر الأحمر لا يتحقق دون مشاركة إثيوبيا ….! . ومصر بالذات، تعتبر أي تواجد إثيوبي في مياه البحر الأحمر وامتداداتها خطر على أمنها القومي و تطورا يزيد الوضع المتأزم بينها وبين إثيوبيا تعقيدا وانسدادا، ومن ثم فهي تعمل بأكثر من إتجاه على احتواء تحقيق تلك الخطة أو الاستباق على حدوثه. ويشكل العامل الاقتصادي والتجاري دافعا قويا آخر في الدخول إلى الشراكة الاستراتيجية فيما بينهما حيث بلغ التبادل التجاري بين مصر والصومال إلى مستويات قياسية غير مسبوقة حيث انتقل من 54 مليون دولار في عام 2016 إلى 88 مليون دولار عام 2017، و 65.8 مليون دولار عام 2020 إلى 67.5 عام 2021 ليقفز إلى 127.7 مليون دولار عام 2024 وذلك طبقا للبيانات المعتمدة من الجهات الرسمية. وتتمثل معظم الصادرات المصرية إلى السوق الصومالي في السلع الغذائية والأدوية ومواد البناء وأعمال الديكور مقابل المواشي والعلف والبذور وخلاصات الأثمار الزيتية التي تستوردها مصر من الصومال بكميات مختلفة ومتغايرة ولا يشمل ذلك العوائد المالية الجانبية التي تكسبها الحركة السوقية في اقتصادها من خطوط مصر للطيران الذي تذهب وتعود من مقديشو بواقع رحلتين في الأسبوع ومن الجالية الكبيرة قرابة 50 ألف المقيمة على أراضيها،
وحالات أخرى تقود الصوماليون إلى مصر مثل سفريات العلاج في المستشفيات المختلفة أو المشاركة في المعارض التجارية المختلفة أو وجود ترتيبات أخرى تمت بالصلة بتنمية العلاقة الاقتصادية بين البلدين .
ولمصر دخائر وودائع سياسية لدى الصومال يمكن أن تستثمرها سياسيا لأكثر من طريقة حيث ساندت الحركة الوطنية الصومالية الساعية إلى نيل الاستقلال في العهد الملكي والجمهوري عبر وسائل مختلفة، وفقدت من أفضل خيرة دبلوماسييها وهو محمد كمال الدين صلاح عام 1957 الذي استشهد في سبيل دعمها على تحرر الصومال من القبضة الاستعمارية ودعمت بشدة النهضة التعليمية التي صقلت الوعي العروبي والإسلامي وأطلقت عنان ثورة المدارس التعليمية على المستوى الحكومي والأزهر التي وصلت إلى أكثر من 40 مدرسة ومراكز تعليمية مختلفة في فترة الخمسينيات والستينيات ووفرت منح دراسية مختلفة المستويات مهدت الطريق مع بعضهما البعض انضمام الصومال إلى منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969 والجامعة العربية عام 1974 وقادت إلى إيجاد كادر قادر على الاضطلاع بمسؤلية العمل المدني والعسكري . وأكثر من هذا، فان مصر جسرت الصلة بينها وبين الاتحاد السوفيتي سابقا من أجل بناء مؤسساتها الوطنية سواء كان ذلك في عهد الحكم المدني أو في عهد حكم العسكر اللاحق، وساهمت بقوة في تقوية قدرات جيشها الوطني ومدته بالسلاح ووفرت له التدريبات اللازمة والمنح التعليمية في مرافقها التعليمية المختلفة وزودته بقطع الغيار الضروري في بقاء المعدات العسكرية المختلفة في الخدمة، وصرح الرئيس عبد الناصر … بأننا سوف تتقاسم كل ما نملك …. بما في ذلك الخبز” وقد يكون تصريح رئيس سياد بري في هذ السياق شهادة على ذلك، قائلا : ” إن ثورة الصومال هي ابنة شرعية ووفية لثورة 23 يوليو ولفكر الزعيم جمال عبد الناصر الثوري”
وفي فترة فقدان الاستقرار السياسي للبلاد بشكل عام، شاركت مصر ضمن القوات الدولية عام 1992 تحت برنامج إعادة الأمل ولعبت دورا هاما في طرح المبادرات السياسية وعقد المؤتمرات التصالحية بما في ذلك مؤتمر المصالحة الذي عقد في القاهرة في نوفمبر 1997م وحرصت المشاركة في معظم المؤتمرات الأخرى دعما لجهود استعادة الدولة وإيجاد الحلول العملية للأزمات الاقتصادية والسياسية السائدة في البلاد، ودعت باستمرار إلى إنهاء الاقتتال الداخلي وبناء الدولة الوطنية الموحدة، وعملت على أن تكون السفارة الصومالية مفتوحة وفتحت أبواب بلادها إلى القادمين إليها ويسرت لهم التسهيلات الضرورية للإقامة في مصر والحصول على التعليم الأساسي والجامعي، ولاحقا أوفدت المدرسين التابعين لوزارة التربية والتعليم إلى بعض المدارس في الصومال والمعلمين في المعاهد الأزهرية ويقدم الأزهر الشريف منحه السنوية على مستوى الجامعة والمعاهد للطلبة الصوماليين بانتظام وتضامنت مع الصومال في الكوارث الطبيعية التي تعرضها وساهمت بتقديم المساعدة الإنسانية لعدد من الحالات وأدت دورا بنائيا في مناصرة الأجندة الصومالية في المحافل الدولية ودعم أولوياتها من خلال مجموعات العمل الدولية والإقليمية المؤقتة والدائمة التي كانت عضوا فيها ولوحت قريبا استعدادها للتدخل لصالح الصومال ضد التوغل الإثيوبي المحتمل في أراضيها وشددت إلتزامها الثابت في المساعدة على أن تكون الصومال قادرة على الحفاظ على وحدة وطنها وساندت الصومال في المعركة الدبلوماسية الأخيرة التي خاضتها ضد التهديد لسيادتها الوطنية، ومكنته بالثبات في وجه المواقف الصعبة التي واجهتها بعزيمة وإصرار غير مسبوقين، الأمر الذي يعكس مدى تأثير الدور المصري في الصومال
واهتمامها المتواصل في هذا الشأن في مختلف مراحلة السعيدة والصعبة والتزامها الثابت في العمل مع الصومال في الحفاظ على دولته الوطنية.
المكاسب التي تحققها الدولتان من الإعلان
يحمل الإعلان الكثير من المكاسب والمخاطر لكلا الدولتين وفي الغالب لا تتوفر صفة التوازن في العلاقات الثنائية بين الدول وقد تكون مكاسب دولة أعلى من الأخرى في مرحلة ما وهو أمر طبيعي في العلاقات الدولية بين الدول، وبوجه عام، تكون المكاسب المضمنة في الإعلان أكثر من مخاطره وذلك في حالة حسن الإدارة في روافده المتكاملة. ويتيح الإعلان للدولتين لإمكانية العمل على زيادة معدل التبادل التجاري بينهما بعد أن ارتفع بحدود 69 مليون دولار في عام 2024 وتوجد الكثير من المجالات التي يمكن من خلالها زيادة المعدل في قطاعات مثل الثروة الحيوانية والثروة السمكية والنقل والمواصلات والتشييد والبناء بشكل فوري خصوصا بعد انعقاد منتدى رجال الأعمال المشترك بين الدولتين في القاهرة مؤخرا. ومتاح أمام الصومال أن تعمل من جانبها زيارة معدل التصدير إلى سوق مصر الكبير وجعل الميزان التجاري بين البلدين متقاربا، ومن المتوقع أن نشهد بعد هذ الإعلان وصول القوات المصرية المشاركة ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة إلى الصومال وتعاونا ميدانيا مكثفا في المجال الأمني والعسكري بين الدولتين ونرى افتتاح فرع بنك مصر في الصومال وتقوية عمل السفارة المصرية في مقديشو قريبا، وسوف نشهد زيارات مكثفة على مستويات مختلفة عالية المستوى في الجانبين وهو مكسب يتيح للجانبين الاستفادة منه بما يتوافق مع أولوياتهما المرحلية في المرحلة التالية.
والإعلان يشجع عمل استثمارات مباشرة في مشاريع نموذجية برأسمال مشترك بين الشركات التابعة للبلدين، وقد تكون تلك المشروعات على سبيل المثل لا الحصر، مشروعات صناعة الألبان والأخذية وتعليب الأسماك والانتاج الزراعي المتنوع التي تتوافر موادها الأولية في الصومال ويترك أيضا مجالا للتعاون الثنائي في ملفات جانبية من بينها ملف السودان وقضايا أخرى مستجدة ودولية، وإلى جانب ذلك، يمكن للصومال الاستفادة القصوى من زيادة المنح الدراسية المخصصة لها والتي ستزداد من 200 إلى 450 منحة للجامعات الحكومية في المراحل الجامعية والدراسات العليا، ولا تشتمل تلك المنح على المنح الأزهرية في المستويات التعليمية المختلفة ، ويمكن لمصر أن تعمل مع الصومال في حشد الموارد المالية للمساعدات الإنسانية لـ 6 ملايين مواطن صومالي اللذين هم بحاجة ماسة إلى مساعدة إنسانية عاجلة وفق التقارير الصادرة من الأمم المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك كله، فإن مصر باعتبارها محورية في منطقتها عندها القدرة بأن تعمل مع الصومال في تحسين علاقاتها مع بعض الدول العربية التي تحتاج الصومال أن تكون قنوات التواصل وجسور التعاون بينهما ممتدة وذلك ليس فقط من باب مد يد العون أو تقديم المساعدة وإنما أيضا من باب العمل معها في تحقيق أولوياتها المبينة في خطة التحول الوطني National Transformation Plan 2025 2029م والحفاظ على مسألة الوحدة الضرورية على أمن منطقة القرن الإفريقي خصوصا الدول المشاطئة للبحر الأحمر والتي من بينها المملكة العربية السعودية وبالذات في فترة عضويتها الجديدة في مجلس الأمن على مدى العامين المقبلين ومتاح أمام الدولتين العمل سويا في تأمين الدعم المالي والتمويلات اللازمة في تطوير المشاريع الإنمائية وبناء الأجهزة الأمنية الوطنية لتكون قادرة على الأداء الأفضل في مهامها المنوطة بها إلى جانب التمويلات المستدامة المخصصة لبعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة وذلك بصفة رئاسة مصر الجديدة لمجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي. ويمكن للصومال أن تستفيد من خبرة مصر الكبيرة في مجال القضاء والقانون وتعتمد في قضايا تعزيز انتمائها العربي وتحصين هويتها الثقافية وتستعين بها في مجالات محاربة التطرف بالوسائل الناعمة أو الصلبة وكذلك البحث العلمي والتدريب الفني في إدارة المياه وطرق بناء السدود المائية وتحسين أنظمة الري، وتطوير البنية التحتية للمياه مما يمكن أن يعزز قدرة الصومال على مواجهة التحديات المتعلقة بالمناخ باعتبارها واحدة من المجالات التي تحتاجها الصومال دعما مستمرا فيها.
المخاطر المحدقة بالإعلان
لا يخلو الإعلان من بعض المخاطر القابلة معظمها للتنبؤ، وأحد تلك المخاطر هي عدم اهتمام الدولتين بما يكفي على طمأنه القلقين من تحالفهما الجديد والتأكيد لهم على أن التحالف بينهما لا يستهدف أحد ولا يحمل الضرر لأي جهة أودول في المنطقة وبالذات الجانب المتصل بجزئية قدوم القوات المصرية إلى الصومال، وتأتي قوات مصر ضمن قوات دول أخرى من إفريقيا ومهام تلك القوات محدّد بقرار مجلس الأمن رقم 2767 الموضح على مهامها الأساسية ومدتها الزمنية وكذلك المظلة التي ستعمل تحتها وهو الاتحاد الأفريقي. وينبغي على الدولتين اتخاذ بعض الخطوات الدبلوماسية الإضافية التي تبدد الشكوك المحيطة لشراكتهما الجديدة وفي نفس الوقت تجيب على بعض الأسئلة الملحة على أهداف شراكتهما المتجددة في الإعلان. ومن المحتمل أن تؤثر الشراكة الجديدة بين البلدين سلبا على المصالحة الدبلوماسية الجديدة بين إثيوبيا والصومال المتحققة بالوساطة وضمان دولة تركيا بعد عام من القطيعة الدبلوماسية بين الدولتين الجارتين وبالذات إذا فقدت الشراكة صفة التوازن في التحرك عند التنفيذ وغلب عليها الطابع العسكري والأمني على ما سواهما. وتعتبر إثيوبيا دولة مصر دولة غير صديقة وبينهما مشاحنات سياسية معقدة في ملفات شائكة أهمها موضوع سد النهضة وسياساتهما الإقليمية متعاطقة في منطقة القرن الإفريقي ومياه البحر الأحمر وعبرت عن قلقها أكثر من مرة من اقتراب قوات مصر على استقرار المنطقة، ومن ثم تتوقع من الصومال قبل مصر أن تسمع ما يطمئن على قلقها المفتعل بعضه.
ومع أن الدولتين غير ملزمتين بتقديم تلك الإيضاحات بسبب تحالفهما لأي أحد إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار على إن إثيوبيا ليست وحدها من الدول الممانعة والمتحفظة لقدوم قوات مصر إلى الصومال أو تنتظر من الصومال أو الدولتين معا توضیحات ما سبب تواجد قوات مصر المستقبلي في الصومال وليس التقارب أو الشراكة الجديد بينهما بشكل عام، خصوصا أن منسوب الشراكة بينهما ارتفع بعد التوتر الأخير بين الصومال وإثيوبيا وتزامن انطلاقة مع التحالف الأوسع الجديد بين الصومال وتركيا وأغلب الدول التي كانت مع إثيوبيا في خطوتها المجازفة على السيادة الصومالية في غرة يناير 2024 أو المتواطئة معها على هدف الوصول إلى مياه البحر الأحمر مازالت تسير معها في تحقيق خطتها بالوسائل المتاحة وبالتوقيت الممكن وهم يعتبرون حضور مصر وتركيا الجديد في الصومال عاملا رادعا أو مانعا لتحقيق ذلك الهدف الاستراتيجي بالنسبة لهم. ومن المخاطر الأخرى المحتملة الوقوع بعد هذا الإعلان أن تسحب إثيوبيا قواتها أو تخفض عددها وتقوم على تقليص مواقع تمركزها مع وصول قوات مصر إلى الصومال لخلق فراغ أمني لاتستيطيع الصومال أومصر وحدهما التعامل معه بانفراد وتملأها المجموعات الإرهابية سريعا ويبقى احتمال هذ الانسحاب المفاجئء قائما مالم تحقق المناقشات الجارية بين الصومال
وإثيوبيا أية تسوية سياسية وذلك فيما يخص العدد المخصص وأماكن التمركز والأدوار التي تقوم بها تلك القوات المنضمة بعضها تحت مظلة الاتحاد الإفريقي والأخرى الموجودة وفق ترتيبات خاصة مع السلطات الحكومية، وهي مسائل تحتاج الصومال مراجعتها مع إثيوبيا هذه المرة بشكل أكثر دقة وحزما، وسوف تزداد صعوبة التعامل مع هذ الاحتمال الوارد إذا حدث بتنسيق بينها وبين المكونات السياسية المختلفة المعارضة للنظام أو الرافضة لفكرة وصول قوات مصرية إلى البلاد من الأصل وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في العام المقبل ووجود الخلافات السياسية حول مهام اللجنة الانتخابية وشرعية تشكيلها .
خاتمة
لا يوجد شك على أن الصومال ومصر تتمتعان بعلاقات تاريخية موغلة في القدم، وبينهما مسيرة طويلة مليئة بالمواقف المشرفة المتبادلة بينهما وحافلة بالدعم المتعدد الأوجه لمصر بالنسبة للصومال إلى قرابة أكثر من ثمانية عقود متوالية. والإعلان ليس عبارة عن تكوين شراكات اقتصادية وتقاربات سياسية جديدة من العدم بقدر ما هو تجديد لصداقة تاريخية ممتدة واتفاق الدولتين على أهمية نقل علاقاتهما إلى مستوى أكثر تقدما والتي هي الشراكة الاستراتيجية الشاملة. والتطورات السياسية التي تجري في الإقليم بوتيرة متوالية بالإضافة إلى المخاوف المشتركة بين الدولتين القائمة في المنطقة فرضت عليهما الإسراع نحو الاتفاق على الشراكة الشاملة لبلديهما والدخول في التزامات متبادلة على الأمد المنظور. وعلى ما يبدو، تم صياغة الإعلان بطريقة متوازنة في المجالات التي شملها بحيث يكون الاقتصاد هو الأساس والتعليم والثقافة هما الجسر والاستثمار والتجارة هما الواجهة والأدوات للترابط بين الدولتين، بينما السياسية تكون هي المظلة التي توفر الحماية للشراكة وتعطي الاستمرارية والحياة اللازمة للإعلان.
ومع اختلاف الدوافع بين الدولتين في التقارب والشراكة الاستراتيجية، إلا أن الإعلان يحمل الكثير من المكاسب والفوائد التي يمكن أن تحققها الدولتان في تنفيذهما لمضمون الإعلان. وتكسب مصر من الشراكة مكاسب استراتيجية متعددة الأبعاد في حضورها العسكري والأمني ووجودها السياسي الأكثر فاعلية في الصومال شرط أن يكون هذا الحضور غير منافس لآخر أو مهددا لطرف معين، وسوف يمهد ذلك الكثير من الأمور التي من خلالها يمكن أن تستفيد مصر لصالحها بما في ذلك عقود الإعمار والنفط والغاز المتوقع طرحها في الفترة المقبلة فضلا عن السياحة الطبية والتعليم التي يذهبها الصوماليون إلى واجهات أخرى أبعد من مصر بكثير. والصومال سوف تسفيد كثيرا في الشراكة مع مصر في مجال بناء مؤسساتها الوطنية وتنمية اقتصادها المحلي وتقوية قدرة جيشها الوطني وأداء أجهزة إنفاذ القانون وتعزيز إنتمائها العربي وإنعاش هويتها الثقافية التي تكاد تكون متعددة مع تعدد وجود الصوماليين في القارات المختلفة، علما بأنها لها تجارب شراكة استراتيجية ناجحة مع دول بينها الصين وتركيا والاتحاد الأوربي وتملك جيش الـ 15 على المستوى الدولي. ومصر لديها المعرفة والخبرة في نظام العمل الدولي وسوقها الاقتصادي يمكن أن يكون معبرا للمنتجات الصومالية إلى الأسواق الأخرى الدولية كما إنها لديها القدرة على المساهمة الفعالة في تحسين العلاقة السياسية مع بعض من الدول العربية بالذات والمساهمة الفعالة في تأمين الدعم والتمويل اللازم
لبعض المشاريع الانمائية. ومن الممكن تفادي معظم المخاطر المحدقة بتنفيذ الإعلان في حالة الإدارة الحكيمة على روافدها المختلفة والتركيز بالعمل على المصالح الثنائية المشتركة بين البلدين، ولا ينبغي بالمرة العمل على إرضاء أحد على حساب مصالحهما الثنائية والتعاون فيما بينهما في مسألة حفاظ الصومال على وحدتها السياسية وفي نفس الوقت لا ينبغي أن يؤدي الإعلان إلى إرتفاع مخاوف دول الجوار للصومال بما يصعد التوتر الإقليمي الكامن في المنطقة بشكل غير ضروري
والعلاقة بين الدولتين ينبغي أن تتجاوز من الطابع العكسي الذي غلب عليها في الماضي بحيث أنها تنمو وتزدهر فقط عند ما تتدهور وتتوتر علاقة أحدهما بإثيوبيا وتبرد أو تتجمد عندما تتحسن علاقة أحدهما لإثيوبيا وكأن إثيوبيا هي العامل المحدد في المستوى الذي يجب أن تكون العلاقة بينهما مستوية، ومن ثم يجب أن تأخذ مسارا طبيعيا أكثر استقرار غير متأثرة بالفكرة التي تقول بأنه يمكن التواصل أو التحدث مع أديس أبابا من خلال مقديشو أو القاهرة في حالة تعطل وإنهيار جسر الاتصال المباشر معها، وقد يكون مفتاح ذلك هو تسهيل حركة المواطنين من كلا البلدين وتعميق المصالح المشتركة المتبادلة بين الجانبين، وتكوين مجالس ولجان غير رسمية تعمل مع الجهات الرسمية على تنمية أطر العلاقة بين البلدين. والكيمياء الشخصية الجيدة لوزيري خارجية البلدين معالي السفير أحمد فقي و معالي د. بدر عبد العاطي تشكل عاملا رئيسيا لتحقيق هذ القدر من التقدم والزخم في العلاقة السياسية بين البلدين، ولقائهما الثالث خلال شهر واحد شاهد على هذه الديناميكية المهمة في صنع الفارق وتحقيق نقلة نوعية في العلاقة بين الدولتين وقد يساعد ذلك أن يكونا ضامنين رئيسيين في الاستمرارية على هذه الوتيرة من التفاعل الجيد بين المؤسستين والحفاظ على الروح الإيجابية في التعاون الثنائي بين البلدين في الفترة المقبلة.
ومع إنجاز إعلان أنقرة سابقا في شهر دسيمبر الأخير وهذا الإعلان الجديد الموقع بين مصر والصومال في شهر يناير المنتهية، نسيطيع القول بأن الدبلوماسية الصومالية حققت تقدما مشهودا في إطار عملها المنوط به وسجلت نجاحات قياسية في مواقف بالغة التعقيد وشديدة الحساسية، وينبغي التفكير بجدية بالغة على الطريقة التي تجعل هذا التقدم مستداما ويحفز الوزارة على تقديم أداء أكثر فاعلية وانتاجا في المهمات المقبلة.